اخبار الامارات

الخلاف يتصاعد بين الرئيس الأوكراني وقائده الأعلى.. والمستفيد الأول روسيا

في أوكرانيا لم تظهر التصدّعات على طول الخطوط السياسية فحسب، بل بين القيادة العسكرية والسياسية، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق. من المفهوم أن العلاقات بين الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، وقائده الأعلى، فاليري زالوجني، سيئة للغاية. وقد طفت الاختلافات في الرأي على السطح لأول مرة صيف العام الماضي. وكانت المقابلة التي أجرتها مجلة «الإيكونوميست» أخيراً مع الجنرال وأعلن فيها أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، سبباً في انتشار هذه المشكلة في العلن. ووبّخ زيلينسكي جنراله علناً في العناوين الرئيسة. وفي مقابلة لاحقة، بدا وكأنه يحذّر زالوجني من أن عليه الالتزام بالشؤون العسكرية، بدلاً من «ممارسة السياسة».

ويشير مصدر حكومي كبير إلى أن الصراع المفتوح في القيادة، كان نتيجة متوقعة لعملية الهجوم المضاد المتوقفة التي «لم تسر كما هو مخطط لها». ويقول المسؤول إن زالوجني، ربما رأى أنه من الحكمة أن يعارض المواقف العامة الأكثر تفاؤلاً لرئيسه، لكن كثيرين داخل الحكومة يوافقونه على استنتاجاته الرصينة. وتجري الآن لعبة إلقاء اللوم حول مَن المسؤول عن الفشل. ويشير المصدر إلى أن «السياسيين يقولون إن جنرالاتهم أغبياء وتلقوا تدريباً سوفييتياً، والجنرالات يقولون إن السياسيين يتدخلون في الأمور، وأن للنصر آباء كثراً، لكن لا أحد يتبنّى الفشل».

هناك عامل آخر مؤثر وهو التحقيق في فشل الدفاع عن جنوب أوكرانيا. كانت هذه هي المنطقة الوحيدة التي تمكّنت فيها القوات الروسية من تحقيق نصر سريع ومهم للغاية، في فبراير ومارس عام 2022، ما أدى إلى إنشاء ممر بري جديد إلى شبه جزيرة القرم في غضون أسابيع قليلة. وساعد الهاربون الأوكرانيون هذا التقدّم. ولم يتم تفجير الجسور كما ينبغي. وكان الجيش أيضاً سيئ الاستعداد. وتقول بعض التقارير إن زالوجني يُذكر حالياً فقط كشاهد على التحقيق، لكن هذا الموقف قد يتحوّل إلى شيء أكثر خطورة. ويقول حلفاؤه، إن احتمال توجيه تهمة جنائية له، يهدف إلى إبقائه تحت المراقبة. ويشير مصدر في هيئة الأركان العامة إلى أنه يمكن اعتبار مشاركته الإعلامية بمثابة بوليصة تأمين.

طموحات سياسية

ولم يعلن زالوجني عن أي طموحات سياسية، كما أن خطواته القليلة في الساحة السياسية لم تكن حاذقة، على الإطلاق. وهذا لا يعني أنه لا يشكل أي تهديد لزيلينسكي. ويعرف الرئيس الذي كان ممثلاً كوميدياً حتى عام 2019، مدى السرعة التي يمكن للمجتمع الأوكراني أن يصنع بها قادته ويحطمّهم، حيث تشير استطلاعات الرأي الداخلية التي اطلعت عليها مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن الرئيس الذي أُشيد به ذات مرة لدوره في الدفاع عن البلاد، قد شوّهته فضائح الفساد في حكومته، والقلق بشأن اتجاه البلاد. وتُظهر الأرقام التي تعود إلى منتصف نوفمبر، أن الثقة بالرئيس انخفضت إلى 32%، أي أقل من نصف الثقة بالجنرال زالوجني الذي مايزال يحظى باحترام كبير (70%)، كما حصل رئيس المخابرات الأوكرانية، كيريلو بودانوف، على معدلات تصنيف أفضل من الرئيس (45%).

ويشير الاستطلاع نفسه إلى أن زيلينسكي يخاطر بخسارة الانتخابات الرئاسية إذا واجه قائده الأعلى. وربما لن يرحّب المجتمع الأوكراني بأي تحدٍ غير مبرر. وفي الوقت الحالي، يعارض ثمانية من كل عشرة أوكرانيين، فكرة إجراء الانتخابات المقررة أصلاً في مارس المقبل. وقد استبعد الرئيس ذلك أيضاً، مشيراً إلى الأحكام العرفية، لكن الانخفاض في معدلات شعبيته قد يُقنعه بتغيير رأيه. ولاشك في أن الدعاية الروسية ستحقق نجاحاً كبيراً إذا لم يتم إجراء الانتخابات.

استراتيجيات روسية جديدة

وتقول مصادر المخابرات الأوكرانية، إن روسيا تحاول بالفعل، الاستفادة من مثل هذه الطموحات والتوترات. وادعى المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية، أندريه تشيرنياك، وجود أدلة أظهرت استراتيجيات روسية جديدة لدوائر انتخابية مختلفة: واحدة لتعزيز الدعم في روسيا، وأخرى لتقويض الثقة بالغرب، والثالثة لتضخيم المظالم في أوكرانيا. ويقول إن هناك حملة تضليل منفصلة للجنود الأوكرانيين، من خلال مقاطع فيديو مزيفة تزعم أنها تُظهر قادة من مختلف المستويات وهم يشجعون مرؤوسيهم على الاستسلام. وأضاف: «لم تكن روسيا قادرة على القيام بما يتعين عليها القيام به في ساحة المعركة، لكنها تحقق نجاحاً حقيقياً هنا».

ويشير المصدر الحكومي الرفيع إلى أن الدعاية الروسية اكتسبت زخماً، لأنها تحتوي على مواد يمكن اللعب بها، ويعترف بوجود فساد، وبأن الإدارة غالباً ما تكون غير فعالة. ولم توجه أوكرانيا اقتصادها بما يكفي من الاستعداد للحرب، لكن روسيا وحدها هي المستفيد إذا أُجبر الرئيس على التنحي. وأضاف: «بعض ساستنا لا يشعرون بالقلق بما فيه الكفاية بشأن التهديد الروسي، وهذا يثير غضبي. إنهم يعتقدون أن بإمكانهم تحدي السلطة، وتدمير زيلينسكي، ولن تكون لذلك أي نتيجة». وأضاف أن الأجهزة الأمنية قضت بشكل فعال على معظم أدوات النفوذ الروسي منذ بداية الحرب، وكانت الروافع الأكثر فاعلية الآن «الأوكرانيين أنفسهم».

وعلى الخطوط الأمامية تتمتع روسيا بفترة جيدة نسبياً من الحرب، وهي تلبي كثيراً من احتياجاتها من القوى العاملة، عن طريق تجنيد الفقراء والمساجين. وفي المقابل تكافح أوكرانيا من أجل تعبئة عامة السكان. ويقوم زعماء الجيش بالتجنيد على مستوى يغطي تقريباً الخسائر الطبيعية على خط المواجهة، لكن إذا كانت أغلبية أولئك الذين تم حشدهم في بداية الحرب يعرفون ما كانوا يقاتلون من أجله، فإن كثيراً من المجنّدين الجدد تصبح لديهم رغبة حقيقية في القتال، ويصبح ملء شواغر التجنيد أكثر صعوبة، ومن غير المرجح أن تساعد التوترات السياسية في هذه العملية.

الحياة أو الموت

كما بدأت الشكوك في الداخل والخارج حول اتجاه الحرب تصل إلى الجنود على الخطوط الأمامية، ولا يبدو أنهم قد غيّروا سلوكهم أو معنوياتهم بأي شكل من الأشكال، على الأقل حتى الآن. ويقول أحد القادة: «لا يمكن للأشخاص الذين يتعرضون لإطلاق النار أن يهتموا بما إذا كان زالوجني قد تشاجر مع زيلينسكي أم لا». ويضيف: «عندما يتحدثون مع رفاقهم في الجبهة، لا أحد يتطرق لضرورة العودة إلى كييف لإصلاح السياسة، النقاش الوحيد الذي يدور بينهم هو البقاء على قيد الحياة».

وبالنسبة لهذه المجموعة من الأوكرانيين، ليس أمامهم شك في الخطر الذي مايزال يشكّله العدو. ويختتم هذا القائد بقوله: «روسيا تطرح علينا سؤالاً بسيطاً: الحياة أو الموت. وهذا سيُبقينا نقاتل بغضّ النظر عما يحدث في كييف أو واشنطن».

• طفت الاختلافات في الرأي على السطح لأول مرة صيف العام الماضي. وكانت المقابلة التي أجرتها مجلة «الإيكونوميست» أخيراً مع الجنرال زالوجني وأعلن فيها أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، سبباً في انتشار هذه المشكلة في العلن.

• على الخطوط الأمامية تتمتع روسيا بفترة جيدة نسبياً من الحرب، وهي تلبي كثيراً من احتياجاتها من القوى العاملة عن طريق تجنيد الفقراء والمساجين. وفي المقابل تكافح أوكرانيا من أجل تعبئة عامة السكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى