اخبار مصر

تأملات فلسفية في بطيخة وائل غنيم ..!

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أظن أن بعضهم أسرف في السخرية من صورة الناشط السياسي المصري وائل غنيم بالجلابية حاملًا بطيخة، وهي الصورة التي نشرها على صفحته الشخصية على موقع فيس بوك، متخذين من تلك الصورة منطلقًا لرصد تحولات وائل غنيم، ومصير خياره الثوري، وحال ومصير ثوار ٢٥ يناير ٢٠١١.

وبصراحة شديدة الصورة طبيعية جدًا لشخص جعلته الأيام والتجارب أكثر واقعية، وأكثر تصالحًا مع خياراته الحياتية والسياسية.

شخص يريد أن يعيش حياته بهدوء واستمتاع دون أحلام كبيرة، ورغبة في إصلاح وتغيير العالم.

والصورة تثبت من منظور فلسفي ما كتبته في مواضع كثيرة من قبل عن انتهاء أسطورة الثورة وأحلام الرومانسية الثورية، وخيارات الثورات الشعبية في العصر الراهن، بتعقيداته التكنولوجية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وبقدرة مراكز القوى وأجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية فيه، على تزييف الوعي، وتوجيه القوى الثورية نحو تحقيق أهدافها التكتيكية والاستراتيجية في اسقاط الدول، وتفكيك جيوشها ومؤسساتها الوطنية.

وأن حلم تغيير وإصلاح الأوطان وحالها ومؤسساتها في عصرنا الراهن، يجب أن يكون طريقه العلم والثقافة وبناء الإنسان، والحكم الرشيد، والتغيير الهاديء العميق حفرًا في وعي الناس.

مع ضرورة تمييز الشاب والسياسي والمثقف الحالم بالتغيير والإصلاح بين ما هو كائن، وبين ما ينبغي أن يكون، وبين ما يمكن تحقيقه مما ينبغي أن يكون في ضوء الإمكانات والواقع والمرحلة التاريخية.

في النهاية، تحية للأستاذ وائل غنيم، وربنا يهنيه بالبطيخة وبالحياة الطبيعية في بلده وبين أهله، بعيدًا عن أزمة ونهاية المبتسرين الحالمين من أبناء الأجيال الماضية، خاصة أبناء جيل السبعينات، الذين روت قصتهم ودراما حياتهم وخيبة أملهم الراحلة الأستاذة “أروى صالح” في كتابها الشهير “المبتسرون .. دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية، عندما قالت:

“إنها شعرت بعد سنوات من الأنشطة والفعاليات السياسية بغربة عن الهموم الوطنية”.

وقولها هذا يعني أنها شعرت بخيبة الأمل، وبلا جدوى أن تكون مهتمة بالشأن الوطني والعام، ولهذا أحدثت قطيعة تامة مع ماضيها، وتحولت إلى إنسانة لا مبالية بما يحدث حولها، وانغلقت على ذاتها وحياتها واحتياجاتها الشخصية.

ومع ذلك ظلت مأزومة، وظلت تُعاني مشاعر الاغتراب عن سياقها ومحيطها، ولم تتجاوز مشاعر الفشل وخيبة الأمل؛ ولهذا قررت أن تضع بيدها كلمة النهاية لحياتها؛ فألقت بنفسها يوم ٧ يونيو ١٩٩٧ من الدور العاشر، ليكون انتحارها شهادة على مصير أحلامها وأحلام الكثير من أبناء جيل السبعينات.

وهو المصير الذي لا نتمناه للأستاذ وائل غنيم، ولا لأحد من أبناء الجيل الذي قام بثورة يناير، ولا لأي شاب أو شيخ يحلم بالإصلاح والتغيير، وأن يصبح على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى