اخبار الامارات

الوضع الصحي النفسي للأميركـيين في خطر

وصل الوضع الصحي النفسي لأفراد الشعب الأميركي ذروته، وأصبح السياسيون والمشاهير والرياضيون المحترفون يعلنون بشكل روتيني عن معاناتهم المتعلقة بالصحة العقلية.

ويتحدث الجميع، سواء بشكل صحيح أو غير صحيح بلغة العلاج النفسي، وتنعكس هذه الحالة على البيانات أيضاً: «وفقاً لأحدث التقديرات الفيدرالية، يتناول نحو واحد من كل ثمانية بالغين أميركيين الآن مضادات الاكتئاب، ويتلقى واحد من كل خمسة أفراد أخيراً نوعاً ما من الرعاية الصحية العقلية، بزيادة قدرها 15 مليون شخص تقريباً منذ 2002.

وحتى في الماضي القريب – من عام 2019 إلى عام 2022 – قفز استخدام خدمات الصحة العقلية بنسبة 40% تقريباً بين ملايين البالغين الأميركيين الذين لديهم تأمين تجاري، وفقاً لدراسة حديثة عن منبر جاما هيلث.

ولكن كل ذلك لم يضف شيئاً، وحتى مع تدفق المزيد من الناس على العلاج، فإن الصحة العقلية في الولايات المتحدة تزداد سوءاً بنسب متفاوتة، وارتفعت معدلات الانتحار بنحو 30% منذ عام 2000، ويعاني الآن ما يقرب من ثلث البالغين في الولايات المتحدة أعراض الاكتئاب أو القلق، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه الحال في عام 2019، ويعاني نحو واحد من كل 25 بالغاً مرضاً عقلياً خطيراً مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام.

واعتباراً من أواخر عام 2022، اعتبر 31% من البالغين في الولايات المتحدة أن صحتهم العقلية «ممتازة»، بانخفاض عن 43% قبل عقدين من الزمن.

وتسير الأمور في الاتجاه الخاطئ حتى مع سعي المزيد من الناس للحصول على الرعاية.

يقول الطبيب النفسي الذي كان يشرف في وقت من الأوقات على المعهد الوطني للصحة العقلية، الدكتور توماس إنسل: «مثل هذا الاتجاه لا يتشابه مع مرض السرطان، أو أمراض القلب، ولا ينطبق على تشخيص مرض السكري، أو أي مجال آخر من مجالات الطب تقريباً».

ويقول رئيس مجلس أنظمة الرعاية الصحية والتمويل التابع للجمعية الأميركية للطب النفسي، الدكتور روبرت تريستمان، إن «هناك عوامل متعددة تلعب دوراً في هذا الخصوص، بعضها إيجابي وبعضها سلبي. على الجانب الإيجابي يشعر المزيد من الناس بالارتياح في طلب الرعاية، حيث أصبحت الصحة العقلية سائدة وأصبحت أقل عرضة للوصم، ما يزيد من إجمالي عدد الأشخاص الذين يتم تشخيص إصابتهم بأمراض الصحة العقلية وعلاجهم».

وعلى نحو أقل إيجابية، يقول تريستمان: «يبدو أن المزيد من الناس يكافحون في أعقاب الاضطرابات المجتمعية مثل الوباء والركود الكبير، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على نظام خاضع للضرائب بالفعل، ولكن لا يتمكن بعض الناس من الحصول على الدعم الذي يريدونه أو يحتاجون إليه».

ومع ذلك يعتقد بعض الخبراء أن المشكلة أعمق من مجرد عدم كفاية الحصول على العلاج، وتتعلق بأسس الطب النفسي الحديث.

ومن وجهة نظرهم، فإن المشكلة لا تكمن فقط في أن الطلب يفوق العرض، فالمشكلة هي أن العلاج لم يكن جيداً على الإطلاق من البداية، حيث كان العلاج يعتمد على العلاجات والأدوية التي لا تتخطى سوى سطح محيط شاسع من الاحتياجات.

في معظم التخصصات الطبية يستخدم الأطباء بيانات موضوعية لإجراء التشخيص وخطط العلاج، فإذا كان ضغط دمك مرتفعاً فستحصل على دواء لارتفاع ضغط الدم، وإذا ظهرت خلايا سرطانية في الخزعة فقد تبدأ العلاج الكيميائي، ولكن لا يمتلك الطب النفسي مثل هذه المقاييس القاطعة، وهذا ليس بسبب الافتقار إلى المحاولة.

تحت قيادة إنسل كان العديد من المشاريع البحثية التي يقوم بها المعهد الوطني للصحة العقلية تهدف إلى العثور على الأسس الجينية أو البيولوجية للأمراض العقلية، لكن دون تحقيق الكثير من النتائج. بعض الحالات مثل الفصام لها روابط أكثر وضوحاً بالجينات من غيرها، لكن بشكل عام يقول إنسل: «ليس لدينا مؤشرات حيوية، ليس لدينا الكثير من العناصر التي قد تكون لديك في أجزاء أخرى من الطب».

في الطب النفسي يسترشد الأطباء النفسانيون بـ«الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية».

ويضع هذا الدليل معايير تشخيصية لحالات الصحة العقلية تعتمد إلى حد كبير على الأعراض: كيف تبدو، ومدة استمرارها، ومدى اضطرابها.

ولكن بالنسبة للمجالات الطبية الأخرى، يعد هذا نهجاً شخصياً إلى حد ما، ويعود الأمر بشكل أساسي إلى كل طبيب ليقرر بناء على ما يلاحظه وما يخبره به مريضه ما إذا كانت الأعراض قد تجاوزت الحد الطبيعي وانتقلت إلى الاضطراب.

ويشعر الطبيب النفسي بول مينوت الذي لم يمنعه ما يقرب من أربعة عقود من عمله كطبيب نفسي من انتقاد هذا المجال جهاراً بأن مجاله الطبي هذا سريع في التغاضي عن «غموض» الصحة العقلية، ويعتقد هذا المجال أن تشخيصاته مؤكدة في حين أن هناك في الواقع منطقة رمادية.

يقول تريستمان: «إذا أعطيتك مضاداً حيوياً ولكنك مصاب بعدوى فيروسية فلن يفعل ذلك أي شيء». وبالمثل قد لا تعمل مضادات الاكتئاب بشكل جيد بالنسبة لشخص يعاني بالفعل اضطراباً ثنائي القطب، والذي يمكن الخلط بينه وبين الاكتئاب. قد يساعد هذا النظام التشخيصي المنقوص في تفسير السبب على الرغم من أن مضادات الاكتئاب هي واحدة من أكثر فئات الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تحقق دائماً نتائج رائعة للأشخاص الذين يتناولونها.

منسق الأغاني والمنتج الموسيقي ومنشئ المحتوى البالغ من العمر 35 عاماً في تكساس، جوزيف مانكوسو، والذي يستخدم الاسم المسرحي جومان، كان زبوناً مستداماً في نظام رعاية الصحة العقلية منذ أن كان مراهقاً، وعلى مر السنين تلقى مجموعة من التشخيصات بما في ذلك الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، يقول إنها لم تكن دقيقة تماماً بالنسبة له.

وفي الآونة الأخيرة تلقى تشخيصاً بدا صحيحاً هو «اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة»، وقد أدت هذه التشخيصات إلى العديد من الوصفات الطبية، بعضها ساعد في العلاج، والعديد منها لم يساعد، يقول: «شعرت في بعض الأحيان بأنني مجرد لوحة لرمي السهام، وكانوا يرمون السهام ويرون ما سيلتصق بها».

ونظراً للاستثمار الكبير في الوقت والمال والطاقة المطلوبة لنجاح العلاج، فربما ليس من المستغرب أن يحظى الدواء – الذي يعد على النقيض من ذلك علاجاً أسرع – بشعبية كبيرة. واعتباراً من عام 2020 تناول نحو 16% من البالغين في الولايات المتحدة نوعاً من الأدوية النفسية، ومن ضمن هذه الفئة مضادات الاكتئاب التي هي الأكثر استخداماً.

من المؤكد أن هناك أشخاصاً أفادوا بأن أعراضهم تتحسن أو تختفي بعد تناول مضادات الاكتئاب، وتشير الأبحاث إلى أنها فعالة بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون الاكتئاب الشديد.

قد يستفيد الأشخاص الذين يعانون القلق والحالات الأخرى أيضاً من استخدامها، وفقاً للمكتبة الوطنية للطب، لكن البيانات المتعلقة بمضادات الاكتئاب ليست قوية كما قد يتوقع المرء بالنسبة لواحدة من فئات الأدوية الأكثر استخداماً في السوق.

• يعتقد بعض الخبراء أن المشكلة أعمق من مجرد عدم كفاية الحصول على العلاج، وتتعلق بأسس الطب النفسي الحديث. ومن وجهة نظرهم فإن المشكلة لا تكمن فقط في أن الطلب يفوق العرض، المشكلة هي أن العلاج لم يكن جيداً على الإطلاق من البداية، حيث كان العلاج يعتمد على العلاجات والأدوية التي لا تتخطى سوى سطح محيط شاسع من الاحتياجات.

• في معظم التخصصات الطبية يستخدم الأطباء بيانات موضوعية لإجراء التشخيص وخطط العلاج، فإذا كان ضغط دمك مرتفعاً فستحصل على دواء لارتفاع ضغط الدم، وإذا ظهرت خلايا سرطانية في الخزعة فقد تبدأ العلاج الكيميائي، ولكن لا يمتلك الطب النفسي مثل هذه المقاييس القاطعة.


عيادات الصحة السلوكية

يقول الطبيب النفسي، الدكتور توماس إنسل، إن الحكومة الفيدرالية تقوم بتمويل توسيع شبكة البلاد من عيادات الصحة السلوكية المجتمعية المعتمدة التي تقدم مجموعة من خدمات الصحة السلوكية والبدنية.

ومع ذلك فإن الحلول السياسية معقدة، وبطيئة التحرك، وغير مضمونة التأثير، خصوصاً في ظل نظام سياسي منقسم بشدة، لذا في هذه الأثناء يعد توسيع نطاق الوصول إلى رعاية الصحة العقلية أمراً مهماً، كما يؤكد تريستمان.

إن النظام الذي يعاني نقصاً يقدر بنحو 8000 مزود لن يؤدي وظيفته على أكمل وجه، خصوصاً عندما تتركز الشبكة الحالية في مناطق جغرافية معينة، ولا تعكس تنوع سكان الولايات المتحدة، وبعيدة المنال مالياً للعديد من الأشخاص.

اليقظة الذهنية

تحسين الصحة العقلية على نطاق واسع يتطلب من النظام الصحي أن ينظر إلى ما هو أبعد من كرسي المعالج.

ويبدو أن الحلول غير الطبية – مثل تحسين الحصول على السكن بأسعار معقولة، والتعليم، والتدريب الوظيفي، وبناء المساحات المجتمعية وبرامج الدعم، وزيادة توافر الأغذية الطازجة والمساحات الخضراء – يمكن أن يكون لها آثار عميقة على الرفاهية كما هي الحال بالنسبة للأدوات البسيطة، مثل اليقظة الذهنية والحركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى