اخبار الامارات

بوتين يلجأ لتعليق صفقة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود

ذكّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم للتو بأن لديه القدرة على إلحاق مزيد من الألم به إلى ما هو أبعد من العذاب المؤلم الذي يُلحقه بأوكرانيا. تعليق روسيا لصفقة تصدير الحبوب الأوكرانية يهدد بالتسبب في نقص حاد في الغذاء في إفريقيا ودفع الأسعار إلى أبعاد جديدة. وفي الولايات المتحدة يمثل تعليق الاتفاق خطراً سياسياً على الرئيس جو بايدن، الذي يشرع في حملة إعادة انتخابه، ولا يمكنه تحمل انتعاش التضخم المرتفع الذي نغص حياة المستهلكين الأميركيين خلال ذروته العام الماضي.

بدا قرار روسيا للوهلة الأولى كأنه انتقام يحفظ ماء وجهها لهجوم تبنته أوكرانيا على جسر يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي، وكان الجسر بمثابة مشروع رمزي لبوتين.

كان اتفاق البحر الأسود للحبوب، الذي تم توقيعه العام الماضي وتوسطت فيه تركيا والأمم المتحدة، بمثابة شعاع دبلوماسي نادر خلال حرب تحطمت فيها علاقات روسيا والولايات المتحدة وحلفائها وتردد أصداؤها عالمياً.

كلفة عالية

من خلال رفض تجديده الاتفاق، يبدو أن بوتين يسعى مرة أخرى إلى فرض كلفة على الغرب مقابل العقوبات التي تخنق الاقتصاد الروسي، وقد يعتقد بوتين أن أزمة الغذاء قد تساعد على انقسام الدعم السياسي في دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) للجهود المطولة والمكلفة لإنقاذ أوكرانيا، وقد يؤدي نقص الحبوب الذي يصيب الأبرياء في العالم النامي إلى تفاقم الضغط الدولي من أجل إنهاء الحرب.

الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ردت على إعلان روسيا إنهاء الصفقة بغضب، ما يعكس تحذير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن بوتين يحاول استخدام «الجوع» كسلاح. وحذر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين من أن روسيا تحاول استخدام الطعام كأداة في حربها على أوكرانيا، مضيفاً أن هذا التكتيك سيجعل «الحصول على الطعام أكثر صعوبة في الأماكن التي هي في أمس الحاجة إليه، وسيجعل الأسعار ترتفع».

إن تصنيف روسيا على أنها تتجاوز السلوك الاخلاقي، وقد يثير ذلك غضباً شديداً ضد بوتين في الغرب والعالم النامي، لكن تلك الحجج لن تؤثر على الرئيس الروسي، ومع ذلك فإن خطاب روسيا بعد إلغاء الصفقة وردود الفعل من اللاعبين الرئيسين في أماكن أخرى في أوراسيا يشيران إلى أن الاتفاقية قد لا يتم إنهاؤها تماماً كما يدعي «الكرملين».

في إشارة واضحة للمناورة الدبلوماسية، بررت روسيا إلغاء الاتفاقية بالقول إنها لم تحصل على نصيبها من الفوائد، مشيرة إلى أنها واجهت عقبات في صادراتها الغذائية، لكن المتحدث باسم «الكرملين» ديمتري بيسكوف، ألمح إلى أن موسكو قد تسمح بعودة الصادرات من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود بمجرد تحقيق أهدافها.

خيبة أمل

شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على مدى صعوبة العودة إلى الصفقة، وقال إنه أرسل مقترحات لروسيا للإبقاء على صفقة الحبوب حية، لكنه «يشعر بخيبة أمل شديدة» لأن جهوده ذهبت أدراج الرياح. وعززت تعليقات الأمين العام للأمم المتحدة وجهة النظر القائلة بأن روسيا ترى في الوقت الحالي نقطة نفوذ في رفض تجديد صفقة الحبوب في البحر الأسود. ويأتي القرار على خلفية جيوسياسية معقدة عقب قمة الناتو الأسبوع الماضي التي تعهدت فيها الدول السبع الكبرى بتقديم وسائل الدفاع عن النفس لأوكرانيا لسنوات مقبلة.

الجسر الإنساني

وقد يمثل هذا أيضاً أحدث تحرك للشطرنج في لعبة مزدوجة لجغرافيا سياسية للقوى العظمى يخوضها بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللذان من المقرر أن يلتقيا في أغسطس، فقد نال أردوغان امتنان زملائه قادة «الناتو» والدول النامية على التوسط في صفقة الحبوب الأصلية، لكنه أثار غضب روسيا في الأيام الأخيرة رغم إبقاء القنوات مفتوحة مع بوتين أثناء الحرب، لكن أصابت العلاقة الروسية التركية جفوة الأسبوع الماضي عندما أعادت تركيا مجموعة من القادة العسكريين الأوكرانيين الأسرى إلى زيلينسكي على الرغم من اتفاق سابق على عدم إعادتهم إلى ديارهم إلا بعد الحرب، كما خاطر أردوغان بعلاقته مع بوتين بالتخلي عن معارضته لانضمام السويد إلى «الناتو»، وهي خطوة أضعفت بشكل كبير موقع روسيا الاستراتيجي في أوروبا.

لكن كان من الملاحظ أن أردوغان، الذي اشتهر بلعب أوراقه بمهارة لتعزيز نفوذ تركيا، أشار إلى بوتين يوم الاثنين على أنه «صديقه»، واقترح أن الزعيم الروسي قد يرغب في الاحتفاظ بـ«الجسر الإنساني» المتمثل في صادرات الحبوب مفتوحاً، فإذا تمكن أردوغان بطريقةٍ ما من هندسة العودة إلى الصفقة، فيمكنه أن يعزز مكانته مرة أخرى في مفصل سياسات القوة العظمى، كما أنه سيعزز هدفه في الظهور كقائد بين دول العالم النامي وتقديم خدمة للزعماء الغربيين الذين يخافون من ارتفاع التضخم.

استئناف الصفقة

الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية الأميركية في واشنطن، مايكل كيميج، الذي خدم في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية بين عامي 2014 و2016، يجادل بأن تركيا في وضع فريد، لأنها تمتلك نفوذاً كبيراً داخل «الناتو» لكنها تتمتع أيضاً بنفوذ كبير خارج «الناتو» يتمثل في علاقات قوية مع كل من أوكرانيا وروسيا. وقال كيميج: «أعتقد أنه من المحتمل جداً أنه حتى قبل اجتماع بوتين وأردوغان يمكن أن يكون هناك استئناف لصفقة الحبوب، لأن ذلك يبقي روسيا في درجة في النعم الطيبة من المجتمع الدولي». وأضاف كيميج أن إحياء صفقة الحبوب سيُظهر أن روسيا التي تتعرض لعزلة دولية تتمتع ببعض الدعم التركي، لكن ذلك يوضح أيضاً لبقية العالم أن «روسيا يمكنها إلغاء صفقة الحبوب عندما تريد ذلك وتسبب معاناة هائلة».

مصالح روسيا

في حين أن الحرب في أوكرانيا استهلكت بعض أدوات السياسة الخارجية لروسيا، فقد بذلت موسكو أيضاً جهوداً مكثفة لاكتساب نفوذها في إفريقيا وأماكن أخرى في معارضة لمصالح الولايات المتحدة، لذلك قد تخاطر بإلحاق الضرر بأولوياتها من خلال التسبب في نقص الغذاء على نطاق واسع، خصوصاً أن الكثير من الحبوب الأوكرانية تستخدم في برامج الغذاء العالمية للتخفيف من حدة المجاعة في إفريقيا.

وبينما يغذي البيت الأبيض شعوراً بالغضب الأخلاقي إزاء الخطوة الروسية سرعان ما رفضت أميركا قيامها برد محتمل آخر يتمثل في محاولة لكسر الحصار الروسي في البحر الأسود، وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، يوم الاثنين، في تعليق يتماشى مع هدف بايدن المتمثل في تجنب أي صدام مباشر بين الناتو وروسيا، القوة النووية العظمى: «هذا ليس خياراً يتم تبنيه بفاعلية».

وفي حين أن إنهاء صفقة الحبوب قد يسبب صعوبات عالمية كبيرة فإن أسوأ آثارها قد تكون بعيدة إلى حدٍّ ما، لذلك قد يكون هناك وقت للعمل الدبلوماسي. وقال رئيس جمعية الحبوب الأوكرانية، نيكولاي جورباتشوف، على قناة «سي إن إن إنترناشونال»، يوم الاثنين، إن الصادرات عن طريق البر والسكك الحديدية والنهر يمكن أن تخفف من الآثار الأكثر ضرراً لانهيار الصفقة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حتى لو كانت وسائل النقل هذه تقتصر على حجم البضائع المنقولة على متن السفن.

لكنه حذر أيضاً من أنه في نهاية المطاف، إذا لم تتمكن أوكرانيا من تصدير حبوبها، «فجميعنا في البلدان المتقدمة وفي البلدان النامية سنواجه تضخماً في أسعار الغذاء». وقال: «في رأيي أنه يتعين على البلدان المتقدمة أن تستخدم النفوذ لنقل الحبوب من أوكرانيا إلى السوق العالمية».

• في حين أن الحرب في أوكرانيا استهلكت جميع أدوات السياسة الخارجية لروسيا، فقد بذلت موسكو أيضاً جهوداً مكثفة لاكتساب نفوذها في إفريقيا وأماكن أخرى في معارضة لمصالح الولايات المتحدة، لذلك قد تخاطر بإلحاق الضرر بأولوياتها من خلال التسبب في نقص الغذاء على نطاق واسع.

• بدا قرار روسيا للوهلة الأولى كأنه انتقام يحفظ ماء وجهها لهجوم تبنته أوكرانيا على جسر يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي. وكان الجسر بمثابة مشروع رمزي لبوتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى