اخبار الامارات

هال براندز: زيلينسكي كان بارعاً في استخدام الخطابة والثبات كأسلحة خاصة به

بعد مرور نحو 15 شهراً على بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، من دون ظهور ما يشير إلى قرب نهايتها، وفشل روسيا، إحدى أكبر القوى العسكرية في العالم، أصبح السؤال الذي يفرض نفسه على المحللين والخبراء، هو كيف يمكن الانتصار في أي حرب، وأي الطرق أقصر إلى ذلك؟

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، قال المحلل والمؤرخ الأميركي هال براندز، إن القوة مهما بلغت لا تغني عن الاستراتيجية التي لا بديل عنها للفوز بالحرب، فالاستراتيجية هي التي تتيح للأمم التصرف بحكمة في عالم فوضوي، وهي حيوية لكي تتفوق على أعدائها، سواء في التفكير أو في التحرك.

ومن دون الاستراتيجية، يكون التحرك عشوائياً، ودون اتجاه واضح، وبالتالي تتبدد القوة والمزايا النسبية بدلاً من استخدامها لتحقيق نتائج جيدة. ويمكن للإمبراطوريات الكبرى البقاء لبعض الوقت إذا لم يكن لديها استراتيجية جيدة، لكنها لا يمكن أن تزدهر لفترة طويلة من دونها.

ويرى براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، أن الحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، أعادت الاعتبار مرة أخرى لأكثر حقائق الاستراتيجية رسوخاً، وأولها أن الاستراتيجية أهم من أن يتم تركها ليضعها الجنرالات.

بالطبع فالاستراتيجية ترتبط في النهاية باستخدام القوة، بسبب وجود تهديد بالعنف. ونحن نصب أغلب اهتمامنا على الاستراتيجية في اللحظات التي يعني فيها الاختيار بين الخير والشر، الاختيار بين الحياة والموت، سواء للأفراد أو للأمم ككل. وتتضمن الاستراتيجية استخدام كل أشكال القوة لتحقيق الازدهار في عالم فوضوي. وهي عبارة عن مزيج من أدوات متعددة، سواء السلاح أو المال أو الدبلوماسية، أو حتى الكلمات للوصول إلى الغرض النهائي.

وفي الحرب العالمية الثانية كانت الآلة العسكرية الألمانية أفضل كثيراً من نظيرتها الأميركية أو البريطانية أو السوفييتية. لكن ما سمح للحلفاء بتحقيق الانتصار في الحرب لم يكن التفوق في الموارد والقدرات العسكرية، وإنما التفوق في تحقيق كثير من المهام، وحشد الموارد الاقتصادية وإدارة الخلافات داخل التحالف، وتعبئة القوة البشرية والعسكرية المحدودة لمواجهة التهديدات المتعددة، ما سمح لهم في النهاية بكسب الحرب العالمية.

ولم يكن أعظم الاستراتيجيين في هذه الحرب هم الجنرالات والأدميرالات الكبار، وإنما كانوا القادة المدنيين مثل وينستون تشرتشل وفرانكلين روزفلت، الذين نجحوا في حشد كل الموارد المتاحة وفق أفضل تصورات لتحقيق النصر.

وهذه الحقيقة تعود مجدداً بقوة، فالحرب الجديدة التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تذكر العالم بأن القوة مازالت مركزية في الشؤون العالمية، لكن المقاومة الملهمة للأوكرانيين توضح لماذا تعتبر الاستراتيجية شيئاً متعدد الأوجه.

فبقاء أوكرانيا ونجاحها في المقاومة، لا يرجع إلى قوتها العسكرية، وإنما إلى تبني دبلوماسية ناجحة ضمنت لها التضامن الدولي، واستخدام المعلومات بطريقة تضمن حشد الشعب وراء المقاومة، ونشر قصة مقاومة الهجوم على العالم. وأصبح أهم استراتيجي في هذه المعركة هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي هو مجرد هاو فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في البداية، لكنه كان بارعاً في استخدام الخطابة والثبات كأسلحة خاصة به.

في المقابل، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسوأ مخطط استراتيجي في هذه الحرب، فقد منح أعداءه الغربيين الفرصة لاستخدام العقوبات الاقتصادية، وقيود تصدير وتبادل المعلومات الاستخباراتية والمساعدات العسكرية وغير ذلك من الوسائل، لكي تصبح تكلفة الحرب بالنسبة لروسيا أعلى ما يمكن. في الوقت نفسه، بدد ورقة الضغط الرئيسة التي كانت في يده، والمتمثلة في صادرات بلاده من الطاقة، خاصة الغاز الطبيعي، التي استخدمها لسنوات في إخضاع أوروبا. كما أوقع بلاده في دائرة التبعية الاقتصادية والتكنولوجية للصين.

وإذا كانت الاستراتيجية تعني كل الأشياء والأمور التي تحدد مكانة الدولة في العالم، فإن أداء بوتين يمثل نموذجاً فذاً لاستراتيجية إيذاء النفس.

والحقيقة الثانية للاستراتيجية تتمثل في أن أفضل الاستراتيجيات هي تلك التي تظهر القوة في أماكن غير متوقعة، فنتائج الحروب لا تتحدد وفقاً للتوازن العسكري الماضي

فقط، والاستراتيجيون الأكفاء يعرفون كيف يغيرون توازن القوة من خلال إيجاد مصادر جديدة للتفوق على الخصوم.

ومرة ثانية نعود إلى الحرب في أوكرانيا، لنرى أنها لا تستطيع البقاء أمام الهجوم الروسي، وفقاً لميزان القوة العسكرية بين الدولتين. ولكن الاستراتيجية الأوكرانية وجدت القوة في أماكن غير متوقعة، مثل تماسك الشعب ودعمه لقواته المسلحة وقيادته السياسية، وهو ما يمثل مقاومة اجتماعية شاملة، لم تكن قوات بوتين تتوقعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى