اخبار الكويت

الماضي على ورق سيرة ذاتية لشخصية وطنية مرموقة بقلم مهدي عبدالعليم

تفضل أ.د.مرزوق يوسف الغنيم بإهدائي كتابه القيّم «الماضي على ورق»، وهو سيرة ذاتية، ضمّنه محطات مهمة من رحلة حياته المباركة الموفقة، أو كما جاء في مقدمته: إن كتابة هذه السيرة وتتبع مسيرة حياتي بدءا من النشأة والتكوين والتعليم، ومرورا بمراحل الحياة المتوالية، وانتهاء بحاضر ماثل ومستقبل مأمول ـ هي تاريخ لذاتي أنا، وهي خزانة حياتي المليئة بالأحداث والذكريات والمواقف والشخصيات والأعمال ومواقع العمل ومناصبه ومسؤولياته.

والكتاب الذي يقع في 176 صفحة من القطع المتوسط جاء في صورة جميلة وأخاذة بإخراج موفق بدءا من الغلاف الذي يحمل صورة جميلة للأستاذ د.مرزوق الغنيم تبعث ابتسامته الطبيعية العفوية فيها على التفاؤل والاستبشار والإقبال على الحياة بآمال مرجوة، وتعكس لمن لا يعرفه روحه الطيبة المازحة التي تشيع في المجالس الأنس والفرح والسرور الذي يخفف أعباء الحياة ويزيح أكدارها، وهو في المقابل شخصية علمية جادة صارمة، تعشق العمل والبحث والدراسة والقراءة والاطلاع على كل ما تقع عليه عينه، وهو في كل ذلك يتصف بالصبر والجلد والقدرة على العمل المتواصل لساعات طوال بلا كلل ولا ملل (يحفظه الله ويرعاه)، هذا ما يشير إليه غلاف الكتاب وابتسامة الدكتور مرزوق البادية على صفحته.

أما الكتاب فقد جاءت مقدمته كافية ووافية بمضمونه ومحتواه، وقد بذل كل جهده واستجمع قوة ذاكرته ـ حماها الله ـ لينتقي لنا زوايا معينة من حياته، وأحداثا مهمة وذكريات مختارة بحلوها ومرها من سنوات عمره المبارك فيقول:

إن كثيرا من هذه الأحداث والذكريات أعدها مراحل عمرية عايشتها وتعلمت منها في كل مرحلة من مراحل حياتي، وكل مرحلة منها اكتسبت منها خبرة نقلتني إلى المرحلة التالية لأحصل على خبرات أخرى في مجال آخر وموقع عمل آخر، وتراكمت هذه الخبرات عبر السنين لتكون ما قيل عنه: إنه مكانة علمية ترجمتها الحياة العملية الفعلية عبر مسيرة حياتي الممتدة، وما كانت رحلة الحياة هذه لتتم بتفاصيل نجاحاتها وإنجازاتها لو لم يكن هناك دوافع عائلية ودافع شخصي، أما الدوافع العائلية فتتمثل في والدي ووالدتي (طيب الله ثراهما) اللذين ما فتئا يدفعانني ويحثانني وإخواني على الدراسة ويحببانها إلينا جميعا، وكثيرا ما كان يرددان على مسامعنا ما معناه «العلم هو المستقبل.. العلم هو الحياة»، أما الدافع الشخصي فهو حب التعلم وحب استكشاف ما حولي فأنا عدو ما أجهل، لذا كان فضولي دائما للمعرفة والتعلم سواء أكان ذلك في عموم الحياة أو في العلوم أو الآداب أو التربية التي أنفقت شطرا من عمري في محراب مدارسها ومؤسساتها الجامعية، أو مراكزها البحثية حتى رست بنا سفينة الأيام لأكون الآن الأمين العام للمركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية التابع لجامعة الدول العربية (مجلس وزراء الصحة العرب).

وعن سر اختياره هذا العنوان الجاذب المشوق يقول: وقد اخترت عنوان هذه السيرة ليكون «الماضي على ورق»، ولا يخفي على القارئ الكريم أن هذه السيرة لا تقتصر على الماضي فقط، بل تمتد لتشمل الحاضر قطعا، وتستشرف المستقبل أيضا، وإن غلب الماضي بسنواته الأكثر، وأحداثه الأطول وذكرياته الأبقى.

ويعلل أ.د.مرزوق ما تضمنه الكتاب من شعر جميل ونثر رصين وسط أحداث حياته ومواقفها الكثيرة، فيقول: ولحبي الشديد للغة العربية والأدب شعرا ونثرا وتذوقي لهما وتطلعي إلى مشاركة القارئ الكريم في تذوقها والاستمتاع بها ـ فقد ضمّنت هذا الكتاب بعضا من الشعر العربي القديم والحديث يناسب الموقف أو الحدث أو الذكرى، ونصوصا نثرية أخرى تمثل كلمات في مناسبات رسمية مختلفة تحمل مضامين فكرية وقيما إنسانية تنفع الأجيال.

وبعد مطالعتي وإنهاء قراءتي للكتاب في جلستين في يوم واحد تبين لي بوضوح أن هذا الكتاب سيرة ذاتية لشخصية كويتية وطنية علمية متفردة زادتها تجارب الحياة صقلا لمواهبه وقدراته ومهاراته العلمية والتربوية والقيادية والإدارية من واقع مراحل حياته وتوالي مناصبه التي تقلدها عن جدارة واستحقاق، فقد أعطى للمنصب بسخاء أكثر مما أعطاه المنصب، وترك في كل منصب تقلده بصمات واضحة وقرارات مهمة أثرت في مصير الأجيال ومستقبلهم في الكويت، وكان يضع نصب عينيه دائما المصلحة العليا للوطن.

كل ذلك اتضح لي جليا واستقرأته من واقع ما سرده أ.د.مرزوق في سيرته العطرة التي توافر لها من سمات التميز والنجاح الآتي:

1 ـ بناؤها المرسوم الواضح، فقد رتب كاتبها الأحداث والمواقف والشخصيات وصاغها صياغة أدبية محكمة ومتوالية بلا تقسيم إلى أبواب وفصول.

2 ـ الجاذبية والتشويق الممتدان من المقدمة مع توالي الصفحات وما تضمنته من أشعار متناسبة مع المواقف والأحداث والشخصيات حتى آخر الكتاب.

3 ـ وضوح اللغة وصياغتها المحكمة مع رشاقة العبارة وجمالها في سلاسة وانسيابية بلا تعقيد أو تقعر، وفي إيجاز معتمدا مبدأ«خير الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره».

4 ـ لم تعتمد السيرة على طريقة التقسيم (أبواب وفصول) ـ كما قلنا ـ بل جاءت متسمة بسلاسة السرد القصصي، وهذا سبب آخر من أسباب جاذبيتها وتشويقها.

5 ـ التزام الصراحة والصدق والتجرد والشفافية في عرض الأحداث وتناول الشخصيات التي كان لصاحب السيرة علاقة عمل أو علاقة صداقة بها.

6 ـ العناية الواضحة بإثبات عنصري الزمان والمكان، لكي ترتبط الأحداث والمواقف بزمانها ومكانها، وتستخلص منها الدروس والعبر بواقعية.

7 ـ الكشف عن أسماء الشخصيات والأماكن التي ارتبط بها صاحب السيرة وهذه أيضا تساعد على إصدار الأحكام بموضوعية وتجرد على الأحداث وأصحابها والمشتركين فيها.

8 ـ القدرة الواضحة للأستاذ د.مرزوق على إعادة الماضي وبعث الحياة والحركة فيه، ليستعيد القارئ شريط الأحداث مصورة بما فيها من التجارب والشخصيات تتمة للفائدة.

9 ـ أن هذه السيرة قدمت ما هو مهم من الأحداث، فالهدف ليس تتبع تفصيلات حياة الكاتب، بل إلقاء الضوء ـ كما جاء في مقدمته ـ على زوايا معينة من حياته، وأحداث مهمة، وذكريات مختارة بحلوها ومرها من سنوات عمره.

10 ـ أعجبني على المستوى الشخصي ما كتبه صاحب السيرة عن الروابط المشتركة الأسرية منها والشخصية التي جمعت بين الإخوة الثلاثة وشهادات الآخرين عنهم، وأكبرهم أ.د.يعقوب يوسف الغنيم وأوسطهم صاحب السيرة أ.د.مرزوق يوسف الغنيم، وثالثهم أ.د.عبدالله يوسف الغنيم، وجميعهم شخصيات وطنية كويتية من أهل العلم والفضل تقلدوا مناصب رفيعة وحقائب وزارية وقدموا خدمات جليلة لوطنهم الكويت (أمد الله في أعمارهم جميعا).

11 ـ جاء في أخريات الكتاب ما يمكن عنونته «مواقف وشخصيات»، قال صاحب السيرة: تمر بالإنسان كثير من المواقف التي دائما ما ترتبط بشخصيات، وقد مر في حياتي عدد من الشخصيات التي أسعد بأنني عرفتها أو درست على يديها أو زاملتها أو قمت بتدريسهم، فقد قمت خلال 47 عاما بالتدريس في المرحلة الثانوية، ثم معهد التربية للمعلمين وكلية التربية الأساسية وندبا في جامعة الكويت.. وفي هذه الصفحات سوف أتكلم عن بعض من عشت معهم في مراحل هذه الحياة وزاملتهم أو كانوا من أساتذتي.

وممن شملهم الذكر زملاء ورؤساء عمل وأصدقاء رافقهم في الرحلات والسفر، فتناول بشيء من الإيجاز هؤلاء الشخصيات العشرة المهمة الآتية، ولأهميتها آثرت ذكرها للقارئ الكريم في هذا المقال، وهم:

٭ أ.محمود محمد شاكر.

٭ الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل.

٭ د.رشيد حمد محمد الحمد.

٭ د.ماجد بن علي النعيمي.

٭ د.أحمد سيف بالحصا.

٭ د.سعيد محمد المليص.

٭ أ.إبراهيم بن عبدالرحمن البليهي.

٭ السيد محمد صالح القرق.

٭ أ.أحمد يوسف عبدالله المزروعي.

٭ أ.د.صبري حسن علوان.

وقال صاحب السيرة: إن هناك شخصيات أخرى كثيرة تستحق أن يكتب عنها لكن المجال لا يتسع في هذه السيرة.

إن ماضي أ.د.مرزوق يوسف الغنيم على ورق سيرة ذاتية في كتاب يستحق المطالعة المتأنية والوقوف على ما ضمته دفتاه من سيرة عطرة تحفز العزائم، وتعلي الهمم، وتقوي الإرادة. إنها سيرة عطرة عطرها تاريخ رجل من رجالات الكويت الذين يفتخر بهم علما وخلقا، عملا وسلوكا ولا عجب فإنه ينتمي إلى أسرة عريقة من أهل الكويت الطيبين الذين أنبتهم ربهم نباتا حسنا في أرضها الطيبة، فكانوا أهل علم وفضل، قد توافر لديهم من المبادئ والقيم والفضائل والعلم وحب الوطن وصدق الانتماء إليه ما يصلح أن يكون نماذج رائعة للاقتداء والتأسي لدى الأجيال حاضرا ومستقبلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى